دموع الشوق .. دمعاتٌ حارةٌ صادقة .. لا تهطل إلا في الخلوات المظلمة ..
دموع الشوق .. هي دمعاتٌ لا تنزل نزولاً .. بل تهطل هطولاً رقيقاً لطيفاً .. متخطية أعتى الحواجز أمامها .. خاطة طريقها بين جداول الخدين .. حتى تنهمر على تلك الوسادة التي طالما هطلت عليها دمعات عدة .. دمعات حزن .. دمعات ألم .. دمعات فرح .. إلا أن هذه الدمعات .. هي أغلى الدمعات .. بالنسبة لتلك الوسادة ..
الشوق .. مشاعر تتحرك في وجدان متيم .. تسيطر عليه .. تمنحه نشوة ونشاطاً غريبين .. تحرك مشاعر الإنسان .. فإن كان طاعناً في السن .. عاد ابن 20 .. وإن كان ابن 20 .. عاش ال20 كما يجب .. هي مشاعرٌ تسيطر على الإنسان .. وتزيده من هيامه هياماً .. ومن حبه حباً .. حتى يصير كأنه لا أحد يشتاق ولا أحد فارق حبيباً ولا أحد لديه لوعة وشجون سواه ..
الشوق .. له مراتب كثيرة .. أعلاها الشوق للقاء الله تعالى .. ذاك الرب الرحيم .. العفو الكريم .. الذي خلقنا وربانا بنعمه .. وكلأنا بحفظه ورعايته .. فمن يشتاق للقاء الله .. اشتاق الله للقائه .. فهل بعد هذا الشوق من شوق ؟؟ ..
وثاني مراتبه الشوق إلى حبيبه عليه السلام .. محمد بن عبد الله .. ذاك النبي الأمي .. الذي تحمل وكابد وعانى .. كي يصل الدين إلينا .. والذي كان يبكي حرقةً على أمته .. بينما قلة منا بكت .. حرقة على سبابه !! ..
ومن ثم تأتي مراتب شوق الإنسان بحسب احتياجاته ..
فإليكِ .. يا من لم أركِ .. يا من أسطركِ بخيالي بسطورٍ محاطة بالزبرجد .. ونصوصٍ عطرت بمسك العنبر .. داخل دفاتر مرصعة بالألماس .. إنني أتحرق شوقاً إلى ملاقاتك .. كي تحيطيني حباً وحنان .. راحة واستقرار .. أريدكِ أن تأتي .. تسمحي للحب أن يتدفق بين أضلعي برفق .. ولا تتأخري .. فالانتظار يحرق شوقي .. يعبث بفكري .. لا أطيقه .. فهو يقلب مواجعي .. فلطالما تخيلت بأنكِ في قلبي .. تتنفسين معي .. تشهقين معي .. تقتلين خيالي حينما يتخيل آهاتك التائهة .. ومشاعرك المسجونة في الجسد دون حراك ..
إنني أتخيل كل شيء .. كل شيء .. تلك الضحكات .. بل وتلك الدمعات .. أتخيل ذاك القلب الذي يضعني في أعلى مراتب عرشه .. فلا يعرف في الدنيا قلباً سوى قلبي .. ولا فرحاً سوى فرحي .. ولا هماً سوى همي .. إنني أتخيل وأحلم .. فهل سيحرمني أحدٌ من هذا الخيال ؟؟ ..
إنني أتخيل تلك اليد التي تختم كتاب الله حفظاً بعد صلاة الفجر .. أتخيل تلك الدمعات اللاتي ستترقرق على خدين محمرتين من انسياب الدموع .. تلك الدمعات الحارة الصادقة .. تلك الدمعات التي لن تمسحها يدٌ سوى يدي .. يا إلهي .. وهل في الوجود أروع من الشعور بأن للإنسان حظوة لدى رب العالمين .. كلا ورب الوجود .. تلك الدمعات التي ستنساب من عينين حفظت نظرها عن الحرام .. وزينت بؤبها بقراءة القرآن .. فازدانت جمالاً وتألقاً .. وستسير في طريقها عبر جداول وجنتين .. حفظتا ربهما في السر والعلن .. فازدادت هيبة ووقاراً وسكوناً ورونقاً .. فأكرمها الله تعالى بحفظ كتاب الله ..
أتخيل .. أتخيل .. أتخيل .. تنهدات شوقٍ عميقة تخرج مني .. ومن سيمنعني من خيالي ؟؟ .. أتخيل تلك اللحظة .. أتخيل حركات يديكِ .. وضحكاتكِ الرنانة الهادئة التي ستملأ عالمي فرحاً وسروراً .. أتخيل كلمات فيكِ وقتها .. ماذا ستعبرين ؟؟ .. أهذا حقيقي ؟؟ .. أهذا معقول ؟؟ .. أأتممت حفظ كتاب الله ؟؟ .. أتحقق الحلم بعد طول انتظار وتضحية ؟؟ .. أم ماذا ستقولين ؟؟ .. يسير بي الخيال سريعاً .. إلا أنه يعجز أن يصف العبارات المناسبة لهكذا فرحة .. أتخيل تلك اللحظات التي سأبارك فيها الجهود .. والتي سأنظر فيها إلى نظراتك وهي تأسرني بخجل .. وهي تصغي إلى حديثي باهتمام .. وكأني أرى نظراتك لا كلامي .. ستأخذني في خطوات ثابتة .. إلى عالمٍ مليء بالجمال والزهو .. هل حقاً سيتحقق جزءٌ من هذا الحلم يوماً ؟؟ .. هل حقاً سيتحقق ما أريد .. أن تأتي لتسرقي بريق الدموع من ناظري .. وتضفي السعادة والراحة على حياتي .. فإن كنتِ ستقرئين هذا الكلام .. فإني أقول لكِ ..
بأني فرشت لكِ الأرض من حبات قلبي .. وأني نثرت على طول الطريق إليكِ ورود الجوري .. وأني نشرت العطور في الأجواء .. وأني جعلت ليل البعد يتلألأ بالأضواء .. وأني ملأت المكان بنبضاتٍ من خفقي .. وأني جعلت وقع خطوكِ على دقات قلبي .. وأني بددت البرد من طريقك بجمرات شوقي .. فهل ستأتي ؟؟ ..
ودمتم بطيب